تحليل: لماذا قد تكون مغادرة هوندا الأخيرة للفورمولا واحد نهائيّة

سواءً بالنسبة للمصنّعين الحاليين مثل مرسيدس ورينو، أو المغادرين الآخرين مثل فورد، وبي ام دبليو ولوتس وتويوتا، فإنّ التواجد في عالم الجائزة الكبرى أو خارجه كان جزءًا من حركة المدّ والجزر التي تواجهها أيّ شركة تريد الترويج لسياراتها.

وفي ذلك السياق، أعلنت هوندا عن مغادرتها البطولة مع نهاية موسم 2021، ويُمكن رؤية ذلك على أنّه مجرّد وضع حدٍ لفترتها الرابعة في الرياضة.

إذ تأتي فترتها الأخيرة الممتدّة بين 2015 و2021 بعد مشاركتها بفريقها الخاص في الستينات، ومن ثمّ كمزوّد محرّكات في الثمانينات والتسعينات، ومن ثم مجدّدًا بفريقها الخاص مطلع الألفيّة.

وبالنسبة لشركة ملتزمة بشكلٍ كبير بنشاطات رياضة المحرّكات، فسيكون من المنطقيّ بالتأكيد الاعتقاد بأنّ مكاسب المنافسة في قمّة رياضة المحرّكات ستجعل من الدخول في فترة خامسة في مرحلة ما أمرًا حتميًا...

لكن بالتدقيق أكثر في أسباب انسحاب هوندا هذه المرّة فيبدو أنّ هذا سيكون الوداع الأخير الحاسم...

لا تأتي مغادرة هوندا نتيجة رغبتها في التركيز أكثر على مبيعات سيارات الطرقات، ولا نتيجة عدم تنافسيّتها. كما أنّها ليست نتيجة حاجتها لخفض النفقات بشكلٍ فوري بسبب الأزمات الماليّة التي تسبّب فيها فيروس كورونا.

عوضًا عن ذلك فإنّ هذا القرار كان جزءًا من استراتيجيّة واسعة للأعوام الـ 30 المقبلة، حيث يشعر القائمون على الصانع الياباني بأنّهم بحاجة لها من أجل ضمان نجاة الشركة على المدى البعيد. ترغب هوندا ببساطة بأن تتخلّص من انبعاثات الكربون بحلول 2050. ومن أجل بلوغ ذلك فإنّها تحتاج لأن يكون ثلثا مبيعاتها سيارات كهربائيّة في غضون العقد المقبل.

وكما قال تاكاهيرو هاشيغو المدير التنفيذي لهوندا: "لا يتعلّق هذا الأمر بالمداخيل والأرباح قصيرة الأمد".

دانييل كفيات، ألفا تاوري

تصوير: صور موتورسبورت

لا يُعدّ انتقال العالم بأسره إلى مستقبلٍ محايد على صعيد انبعاثات الكربون بالأمر الجديد، لكن ربّما ما تغيّر هو سرعة ووتيرة حاجة مصنّعي السيارات لبلوغ ذلك.

تُدرك هوندا أنّها إن أرادت التقدّم على منافساتها، فإنّ عليها وضع كلّ مواردها من أجل إنشاء بنية تحتيّة وتكنولوجيا كفيلة ببلوغ تلك الأهداف.

وشبّه هاشيغو التحدّي الذي يُواجهه جميع مصنّعي السيارات حول العالم بالأمر الذي يحدث ربّما مرّة كلّ 100 عام.

إذ قال خلال إعلان المغادرة: "بالطبع لدينا مبادرات للتقليل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ولبلوغ بيئة أفضل. لكن صناعة السيارات تمرّ بفترة تحوّل ربّما تحدث مرّة كلّ 100 عام".

وأكمل: "باتت سرعة التقليص من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أكثر أهميّة من ذي قبل. وكذلك على صعيد وباء كورونا، فإنّ تفكيرنا في البيئة تغيّر بالفعل وعلينا حتمًا تسريع نهج حياديّة الكربون".

وأردف: "نريد استغلال تكنولوجيا إدارة الطاقة وبعض التكنولوجيات الأخرى التي توصّلنا إليها على مرّ الأعوام في الفورمولا واحد، إلى جانب استغلال موارد مهندسينا. نريد توجيه كلّ تلك الموارد إلى الجهود البيئيّة، وذلك سبب توصّلنا إلى هذا القرار الآن".

وكان يُهدف من المحرّكات الهجينة الحاليّة في الفورمولا واحد اجتذاب مصنّعين – حيث عمل ذلك إلى حدٍ ما عبر الإبقاء على رينو ومرسيدس لموسم 2014، واجتذاب هوندا في العام التالي.

لكنّ التكاليف الباهظة والتكنولوجيا المعقّدة كانا عاملين مؤثّرين، وبعد أن كسبت هوندا التكنولوجيا التي تخوّلها الفوز، لم يعد أمامها حافزٌ يدفعها لمواصلة إنفاق كلّ تلك الأموال الطائلة على عمليّة التطوير.

من المنطقيّ أكثر بالنسبة لشركة مثل هوندا، خاصة بالنظر إلى أهدافها لعامَي 2030 و2050، أن تضخّ ميزانيّة البحث والتطوير تلك وعقول مهندسيها في برنامج لتكنولوجيا جديدة لسيارات الطرقات. وذلك سبب إنشاء مركز التميّز البحثي المبتكر الجديد، وقسم وحدة الطاقة والطاقة في وقتٍ سابقٍ من هذا العام.

وقال هاشيغو حيال ذلك: "من خلال نظام بحث وتطوير محسّنٍ هكذا، ستُركّز هوندا على إنشاء وحدات طاقة وتكنولوجيا طاقة متطوّرين وتبلغ مستقبلًا خاليًا من انبعاثات الكربون".

وأكمل: "سيكون هذا تحديًا صعبًا وقاسيًا مثل المشاركة في الفورمولا واحد، وعلى هوندا خوض هذا التحدّي رفقة المجتمع".

ماساشي ياماموتو، رئيس هوندا موتورسبورت

تصوير: صور موتورسبورت

ويبدو أن درب التطوير الذي تتّبعه هوندا سيأخذها نحو وجهة مختلفة عن رؤية الفورمولا واحد نفسها لبلوغ مستقبلٍ محايد على صعيد انبعاثات الكربون.

ذلك دربٌ يتركها من دون الحاجة للمشاركة في الفورمولا واحد. لم يبدو هاشيغو منبهرًا للغاية بعامل الجذب الذي يُوفّره استخدام تكنولوجيا الوقود الحيويّ في الفورمولا واحد، ولا فكرة التسابق في سلسلة سباقات كهربائيّة مثل الفورمولا إي في الوقت الحاضر.

في الحقيقة ينصبّ التركيز بالكامل على 2050 وبلوغ ذلك الهدف، ليس حول إمكانيّة اعتبار المشاركة في الفورمولا واحد مجدّدًا خيارًا جذّابًا أم لا.

لذا بعد التواجد خارج أسوار الفورمولا واحد لـ 30 عامًا على الأرجح، سيكون من الصعب رؤية هوندا فجأة تعود إلى البطولة في حال حقّقت نجاحات على صعيد أعمال سيارات الطرقات.

لم تمرّ العناية الشديدة في صياغة بيان هوندا يوم الجمعة من دون ملاحظة. إذ أنّها في عام 1992 قرّرت "التوقّف مؤقّتًا" عن المشاركة في الفورمولا واحد. ومن ثمّ أعلنت "انسحابها" في الألفيّة الجديدة. أمّا الآن فقد جاء في البيان أنّها "ستختتم" انخراطها في الفورمولا واحد.

وبالنسبة لهاشيغو فإنّ إمكانيّة اعتبار هذه نهاية الفورمولا واحد بالنسبة لهوندا إلى الأبد قد طُرحت عليه في المؤتمر الصحفي يوم الجمعة في طوكيو، وكانت الرسالة واضحة. ستُواصل هوندا التسابق، لكن لا تتوقّعوا منها التواجد في الجائزة الكبرى.

إذ قال: "نريد بلوغ هدف حياديّة الكربون لشركتنا لعام 2050. ذلك ما نريد بلوغه، وسنكرّس مواردنا في سبيل ذلك".

وأكمل: "لا أفكّر في أن نعود للمشاركة في الفورمولا واحد. لكنّ التسابق جزء من جوهر هوندا، لذا سنواصل التسابق في الفئات الأخرى التي نتسابق فيها حاليًا وذلك شغفنا الطبيعيّ".