في حين أنّ فاسور يُعدّ ذكيًا بما فيه الكفاية ليعلم عدم وجود زرٍ سحري يُمكنه تفعيله لدفع فيراري مباشرة إلى الصدارة، فإنّه يعي في ذات الوقت أنّه قد تمّ استقدامه لسببٍ واحد: الفوز بلقب البطولة.

ومع فقدان القائمين على علامة فيراري جون إلكان وبينيديتو فينيا الصبر والثقة في سلف فاسور ماتيا بينوتو، الذي كانوا ليمنحوه بسهولة عامًا آخر إمّا لخطف اللقب أو الانهيار، فإنّ توقيت الإقدام على التغيير الآن يحظى بأهميّة كبيرة.

إذ ليس الأمر عبارة عن اختيار إجراء تغيير لأنّ النتائج انهارت فجأة وأصبح الوضع بحاجة للتصحيح.

عوضًا عن ذلك فإنّ فيراري اختارت تغيير بينوتو لسببٍ بسيط: رغبتها في الفوز بلقب البطولة الآن. وكما قال فينيا خلال الفترة الشتوية: "حقّقنا بعض التقدّم. أنا سعيدٌ بالتقدّم الذي حقّقناه. لكنّني لست سعيدًا بالمركز الثاني. أعتقد بأنّ الفريق يملك ما يتطلّبه الأمر للتحسّن على مرور الوقت".

يُعدّ الهدف واضحًا بالنسبة للإدارة العليا، إن كان المركز الثاني غير جيّدٍ بما فيه الكفاية في 2022، فإنّ الأمر الوحيد المرضي هو الظفر باللقب في 2023.

وبالنسبة لفاسور الذي سبق له الإشراف على فريقي رينو وألفا روميو في خطّ الوسط، فإنّ ذلك يعني عدم حصوله على "شهر عسلٍ" إن صحّ التعبير للتأقلم مع الوضع في المعركة في المقدّمة، ولا يُمكنه الحديث عن طموحات طويلة الأمد وتقدّمٍ ثابتٍ نحو المجد.

سيتمحور كلّ شيء حول الانتصارات واللقب في 2023. لن يرضى القائمون على فيراري بسماع "لو"، و"لكن" ولا أيّة أعذارٍ أخرى.

سيكون هكذا ضغطٍ لتقديم نتيجة غابت عن فيراري طوال 15 عامًا ضخمًا للغاية. لهذا السبب قال البعض بأنّ فاسور ورث مهمّة مسمومة باستلامه دكّة قيادة فيراري في هذا التوقيت.

شارل لوكلير، فيراري

تصوير: فيراري

فبعد بدء الحصان الجامح موسم 2022 بقوّة، فإنّ أيّ ضعف نتائج في بداية الموسم الجديد سيتسبّب في الكثير من الأسئلة حول إن كانت فيراري قد اتّخذت الخيار الصحيح بتغيير مديرها الآن.

ويُمكنكم تخيّل ردود فعل الصحافة الإيطاليّة أو التيفوزي في حال ارتكاب أيّة أخطاء استراتيجيّة مثل تلك التي طغت على العام الماضي.

ومن أجل إسكات أيّة انتقادات فإنّ على فاسور ضمان تقديم فيراري لأداءٍ خالٍ من الأخطاء، وهو أمرٌ ليس بالسهل مطلقًا بالنظر إلى ضغط بطولة العالم للفورمولا واحد. سينصبّ تركيزه بشكلٍ حتمي على دوزنة وصقل الإمكانيّات الموجودة في الفريق بشكلٍ واضح، والعمل على القضاء على أيّة أخطاء مكلفة.

لن يكون من المفاجئ إن انصب جزءٌ من تركيزه الأوّلي على السيارة، لكن بالنسبة لهيكل فريق التسابق فإنّ عليه الغوص عميقًا في تنظيم الفريق على المسار والقضاء على أيّة عمليّات ضعيفة تسبّبت في الخيارات الاستراتيجيّة الخاطئة العام الماضي. لن يحتاج لإقالة كامل طاقم الاستراتيجيّة بالطبع والبدء من الصفر مجدّدًا. لكن من الواضح أنّ هناك حاجة ملحّة للتحسّن في هذا الجانب.

لكن في حين أنّ الكثير من المشاكل تعترض طريق فاسور، فإنّ هناك الكثير من العوامل التي تصبّ في صالحه في ذات الوقت. إذ وصل إلى الفريق وهو في المقدّمة، وبالرغم من كلّ العناوين السلبيّة العام الماضي، فإنّ الفريق قدّم أكثر مواسمه نجاحًا منذ وقتٍ طويل. يرث فاسور فريقًا يبدو هيكله متينًا.

أمضى بينوتو الكثير من الوقت في بداية مهمّته على رأس الفريق في التأكّد من عمل كلّ الأقسام معًا للمساعدة على تقديم أقصى إمكانيّات للحظيرة الإيطاليّة.

كما أنّ الانضمام في هذا الوقت يعني حصول فاسور على سيارة شبه كاملة تقريبًا، حيث وجّه بينوتو بالفعل عمليّات تطويرها طوال العام الماضي والفترة الشتويّة، واتّخذ كلّ القرارات الحاسمة على صعيد مفهومها التصميمي وجوانب التطوير.

وبالنسبة لجانب المحرّك فإنّ فاسور سيحصل كذلك على وضعٍ أفضل بالمقارنة مع الأيّام السوداء التي أحاطت بسباقي إسبانيا وأذربيجان العام الماضي بسبب مشاكل الموثوقيّة.

إذ توصّل الفريق إلى حلولٍ للمشاكل التي تسبّبت في احتراق المحرّكات بالوصول إلى جولة أبوظبي الختاميّة. وأشارت بعض المصادر المطّلعة على قدرة الفريق أخيرًا على رفع قوّة وحدة الطاقة مجدّدًا، وذلك بعد خفضها بشكلٍ ملحوظٍ في النصف الثاني من الموسم المنقضي.

ماتيا بينوتو، مدير فريق فيراري

تصوير: فيراري

كما أنّ هناك أحاديث تشير إلى اعتماد فيراري المزيد من تحديثات الموثوقيّة في هذه الفترة الشتويّة، وهو ما يمنحها ثقة إضافيّة على استخراج المزيد من الأداء من محرّك 2023، وهو ما قد يُعزّز سرعتها على الخطوط المستقيمة التي خسرت فيها في مواجهة ريد بُل العام الماضي.

وما سيكون مثيرًا للاهتمام على وجه الخصوص هو رؤية إن كان فاسور سيتمتّع بنظرة شموليّة لحزمة المحرّك والسيارة في فيراري، وتعقيداتها التقنيّة مثلما فعل بينوتو.

لا شكّ في أنّ إحدى نقاط قوّة بينوتو كمديرٍ للفريق كانت معارفه المفصّلة بأداء سيارة الفورمولا واحد، وفهمه للتعقيدات والجوانب المتداخلة التي تؤثّر على الأداء على المسار.

لكن في حال كان هناك أمرٌ واحدٌ يجب أن يمنح فاسور بعض التشجيع بشأن مهمّته في فيراري، مهما كانت صعوبتها، هي كلمات بينوتو نفسه. إذ بحديثه في الصيف الماضي، شعر بينوتو أنّ فيراري تسير في المجمل على الدرب الصحيح لإعادة نفسها إلى مجد اللقب. كلّ ما تحتاجه كان شحذ الهمم وبعض التعديلات التحسينات في مختلف الجوانب.

وعندما سُئل عمّا شعر بأنّ فيراري احتاجت لفعله على نحوٍ مختلف لتحقيق النصر، قال بينوتو: "لا أعتقد بأنّ هناك أمرًا معيّنًا نحتاج لفعله. أعتقد بأنّ الأمر يتعلّق بمواصلة رحلتنا على صعيد التحسّن المتواصل خطوة تلو الأخرى والتركيز على كلّ سباق".

وأردف: "لا توجد رصاصات سحريّة، ولا أعتقد بأنّنا نحتاج لتغيير أنفسنا. أثبتنا أنّ بوسعنا تقديم عملٍ جيّد. إنّها مسألة خطوات فحسب قبل الوصول إلى الهدف. ومهما كانت نتيجة 2022، فإنّنا سنُحاول أن نكون متجهّزين لموسم 2023".

يعود الأمر إلى فاسور لإكمال المهمّة إذًا. وفي حين أنّه يُعدّ من بين الشخصيات كثيرة الابتسام والفكاهة في البادوك، فإنّ في صميمه إصرارًا حديديًا لإنجاز المهمّة.

وكما قال فالتيري بوتاس الذي يعرف فاسور منذ أعوام: "يُمكن أن يبدو مسترخيًا ومازحًا على الدوام، لكن يُمكن أن يكون قاسيًا كذلك. يعلم الوقت المناسب لتقديم خطاب تحفيزي أو حديثٍ بناء. لذا إنّه جيّد".

حان الوقت الآن لاستغلال كلّ تلك الخصال والمهارات للعمل وتحقيق الإنجازات مع فيراري.

فريدريك فاسور، مدير ألفا روميو وماتيا بينوتو، مدير فيراري

تصوير: صور موتورسبورت