من هو السائق الذي يسعى لمواصلة إرث لوب وأوجييه في الراليات؟

مرّ على بطولة العالم للراليات العديد من السائقين الفرنسيين سيطروا على مقدرات المنافسات، وتحديداً نحو عقدين من الزمن مع سائقَين اعتبرا من الأفضل، وهما لوب وأوجييه.

معًا، حصدا 16 لقبًا في البطولة العالمية، وحفر لوب اسمه كأعظم سائق راليات بفوزه بتسعة ألقاب عالمية متتالية بين عامي 2004 و2012، قبل أن يخلفه مواطنه أوجييه كأفضل السائقين حيث فاز بسبعة ألقاب عالمية، منها 6 توالياً بين 2013 و2018 ، وثم 2020.

حطّم هذا الثنائي سجلات الأرقام القياسية، ففازا معًا بـ 132 رالي في 307 مشاركات منذ بداية "سيب1" (لوب) في الراليات للمرة الأولى في عام 1999، ما يعادل أكثر من ثلث الراليات الـي أقيمت مذاك.

ولكن ولأن لكل شيء نهاية، يبدو أن هذه الهيمنة الفرنسية وصلت إلى نهايتها، حيث سيشهد العام المقبل تبدلاً جذريًا في الحرس القديم إذ يستعد "سيب2" (أوجييه) للإبتعاد عن البطولة العالمية وإنهاء انغماسه الكليّ في البطولة مع نهاية العام الحالي للمشاركة في بعض الجولات المختارة بالتزامن مع مشاركات على الحلبات مع الصانع تويوتا، في وقت تتحضر بطولة العالم للراليات للترحيب بسيارات هايبريد جديدة تعتبر الخطوة الاولى لمستقبل هجيني.

ولكن من سيملأ هذا الفراغ ومن بامكانه إكمال هذا الإرث الفرنسي الساحر الذي رسمه لوب وأوجييه؟

يشير البعض إلى الشاب أدريان فورمو، ابن الـ 26 عامًا، والذي تمكن من فرض نفسه بسرعة النيزك في عالم الراليات بعد انضمامه إلى فريق "أم ـ سبورت" هذا العام وذلك بعد أربعة أعوام قضاها في رحاب فئة الناشئين ضمن بطولة فرنسا للراليات. يعتبر البعض أنه يملك جينات للنجومية نادرة جدًا وقد سلّط عليه الأضواء، ما جعل فريق "أم ـ سبورت" لصاحبه البريطاني مالكولم ويلسون يسارع للتعاقد معه العام الماضي.

ومن بين الذين أعجبوا بهذا السائق، لم يكن سوى مواطنه الأسطوري لوب، وهو الذي يدرك جيداً أسرار أن تكون أحد أبرز السائقين العالميين.

قال لوب لموقع "موتورسبورت.كوم": "من النادر جدًا رؤية سائقين يصلون إلى المستوى الأعلى من الـ "دبليو آر سي" وأن يكونوا قادرين على تسجيل الأوقات الجيدة بوقت قصير، غير أن (أدريان) حقق ذلك برغم انه لا يتمتع بخبرة كبيرة".

وتابع: "بالتأكيد لديه موهبة كبيرة وهو في طريق جيد ليكون أحد أفضل السائقين المستقبليين في بطولة العالم للراليات. من الجيد أن يأتي سائق فرنسي آخر خلفي وأوجييه لذلك سننتظر ونرى (ما سيحصل)".

بعد أن إحتل المركز الخامس في أول مشاركة له في بطولة العالم للراليات في رالي كرواتيا في نيسان/أبريل الماضي قال ريتشارد ميلنر المدير العام لفريق "أم ـ سبورت" أنه بامكانه أن يرى ظلال أوجييه في أداء فورمو.

وأضاف: "لقد كانت بداية رائعة، ويمكنك بالتأكيد أن ترى تشابهًا مع أوجييه في الطريقة التي يتصرف بها. يبدو مستقبل هذه الرياضة بأمان، وأتطلع حقًا لرؤية كيف سيتطور مع مرور الوقت داخل السيارة".

وأردف قائلاً: "ليس هناك شك في موهبة أدريان خلف مقود القيادة، ورؤية كيف يعمل الإثنان (مع ملاحه رينو جامول)، يمكنني بالفعل رؤية لمحات عن الثنائي سيب و(ملاحه) جوليان (إنغراسيا)".

من ناحيته قال صاحب الشأن فورمو: "حاولت مرتين أن أسجل أسرع توقيت. بدأ الأمر في (رالي) كرواتيا بتسجيل ثاني أسرع توقيت مرتَين، وتكرر الأمر ذاته في البرتغال وكينيا. قلت لـ "سيب" (أوجييه): "هل بمكانك أن تدعني أسجل أسرع توقيت، دائماً أنت تحقق هذا الإنجاز؟".

ما يحدث هو أشبه بختم كبير للموافقة على موهبة سائق لم يشارك سوى في 3 راليات في بطولة العالم للراليات، ولكن، لماذا كل هذا العناء؟

خطا فورمو خطواته الأولى في الراليات ووقف تحت أضواء الشهرة في عام 2016 عندما فاز في مخطط اكتشاف المواهب الفرنسي الشهير "رالي للشباب". وبعد عامين، أحرز لقب الناشئين في بطولة المحلية للراليات خلف مقود سيارة "فورد فييستا آر2".

لاحقًا، انتقل إلى بطولة العالم للـ "دبليو آر سي2" في عام 2019 حيث حلّ في المركز العاشر في الترتيب العام والثاني ضمن فئته في أول مشاركة له في رالي مونتي ـ كارلو الأسطوري. ليعود ويصعد إلى منصة التتويج مرة ثانية في رالي ويلز ـ بريطانيا، ما كان كافيًا لإقناع "أم ـ سبورت" بالـ "إستيلاء" على هذه الموهبة الناشئة.

وبعدما أنهى بطولة العالم للـ "دبليو آر سي2" في المركز الثالث في الترتيب العام النهائي في عام 2020 تأثر بتداعيات فيروس كورونا ما أجبر المنظمين على تعديل الروزنامة وتقصير عدد الجولات، حصل فورمو على فرصة ذهبية للدفاع عن ألوان فريق "أم ـ سبورت" خلف مقود سيارة "فورد فييستا دبليو آر سي" إلى جانب الموهوب تيمو سونينن.

ولكن، بعد 3 راليات فقط إرتقى الفرنسي إلى مستوى الكبار، منهيًا جميع مشاركاته ضمن المراكز الستة الأولى. هي بداية جيدة لسائق مبتدىء واجه أبرز الأسماء العالمية على غرار أوجييه والإستوني أوت تاناك بطل العالم في 2019، والبلجيكي تييري نوفيل والويلزي إلفين إيفانز.

كما دوّن اسمه في سجلات البطولة بعدما سجل أسرع توقيت في إحدى مراحل رالي سفاري كينيا الشهير بصعوبته، وهو إنجاز لن يمر مرور الكرام خاصة بالنظر إلى أنه شارك للمرة الاولى على مسارات كينيا الوحشية.

قد يكون من السهل بعد هذا النجاح المفاجئ والثناء أن يتأثر تطور هذا السائق الشاب وأن يتملكه الغرور، لكن بالنسبة لفورمو فهو يأخذ ما يحصل عليه من دون أن يتأثر كثيرًا.

قال فورمو لموقع "موتورسبورت.كوم" ضمن هذا السياق: "أحاول فقط أن أخوض مسيرتي الرياضية وهناك طريق طويل لإجتيازه"، ويتابع: "من الجميل جدًا أن أسمع الكلمات الإيجابية، لكني أريد فقط أن أخفض رأسي. قبل عامين ونصف العام كنت لا أزال أقود سيارة ذات دفع ثنائي، لذا فما حصل يعتبر تقدمًا جيدًا. أتعلم الكثير وهذا أمر مهم وما زلت أتطور".

إلى جانب مهاراته القيادية، بدأ فورمو باظهار معدنه الحقيقي وشخصيته المحببة بعيدًا عن قمرة القيادة ، في حين بدأت شعبيته تتزايد ويحصل على معجبين كما يتهافت الرعاة لدعمه. فمنافسته المرحة مع أوجييه على موقع التواصل الإجتماعي "تويتر" خلال رالي سفاري كينيا، حيث حرم الأخير سائق فورد من فوز منتظر بإحدى المراحل، قبل أن يحقق ذلك لاحقًا، هو مثال مهم.

وبهذا الشأن، يقول: "أحاول أن أكون على طبيعتي ودعونا نتحدث عني كقصة جميلة، لذلك أعتقد أن الامور جديّة"، ويضيف موجهًا رسالته الشهيرة إلى مواطنه: "أنت تعلم أنني حاولت مرتين تسجيل أسرع توقيت. في كرواتيا بدأ الأمر بتسجيلي ثاني أسرع توقيت مرتين ثم تكرر الأمر ذاته في البرتغال وكينيا. قلت لـ "سيب" (أوجييه): "هل يمكنك السماح لي بالحصول على أسرع توقيت، أنت دائماً (تحقق ذلك)".

وختم، بعدما نجح في رهانه: "ولكن بعد مرحلة أو مرحلتين (من هذا الحديث)، كنت سعيدًا حقًا. لقد كانت قصة جيدة جميلة جداً خصوصاً أنها تحققت في سفاري (كينيا)".