تحليل: لماذا لن يكون التحقيق في حادث غروجان المروّع مسألة سهلة؟

سيذكر الجميع موسم 2021 من بطولة العالم للفورمولا واحد بالكثير من الأشياء. لن ينسى أحدٌ بالتأكيد الروزنامة المزدحمة التي شهدت إقامة 17 سباقًا في 165 يومًا، كما لن ننسى معركة الوسط المحتدمة للغاية والمعركة التي استمرّت حتّى الرمق الأخير في أبوظبي.

فضلًا عن ذلك فقد أُعجب المشّجعون بالعودة إلى بعض الحلبات الكلاسيكيّة وزيارة البعض الأخرى الجديدة. لكن في حال كان على المرء اختيار حدثٍ واحد بارز، فسيكون ذلك حادث رومان غروجان في البحرين من دون شكّ.

تُعدّ الحوادث جزءًا من رياضة المحرّكات، إذ تعدّ بيئة من الممكن تصنيفها مع المعارك العسكريّة بالنظر إلى مستوى الخطر القائم. بالرغم من ذلك ومثلما أظهر سباق البحرين، فإنّ مستوى الإصابات يبقى منخفضًا. يعود ذلك إلى التركيز المتواصل من قبل الفرق و"فيا" لتحسين مستويات السلامة.

مايكل ماسي، مدير السباق في موقع الحادث القويّ الذي تعرّض له رومان غروجان، هاس

تصوير: صور موتورسبورت

تُعدّ تحقيقات الحوادث مهمّة علميّة وتجب مقاربتها بأسلوبٍ مشابهٍ للطبّ الشرعي. فمثلما هو الحال بالنسبة لحوادث الطيران أو الطرقات، فإنّ التركيز الأساسيّ ينصبّ على تحديد أسباب الحادث. وفي حالة غروجان، فإنّ السبب الرئيسيّ واضح. أظهرت مقاطع الفيديو الخطأ القياديّ الذي ارتكبه، وهو ما تسبّب في فقدانه للسيطرة على السيارة.

قد لا يكون ذلك واضحًا للغاية في بعض الحالات الأخرى، وحتّى اليوم يبقى سبب الحادث الذي أدّى إلى وفاة آيرتون سينا في إيمولا في 1994 غير مؤكّد. تمّ حينها ترجيح فرضيّة احتكاك الأرضيّة بسطح المسار بسبب ضعف ضغط الإطارات بعد فترة سيارة الأمان.

يتعيّن على المحقّقين بذل جهود ضخمة. فعند وفاة جول بيانكي إثر الحادث المروّع الذي تعرّض له في اليابان في 2014، تمّ إصدار تقرير متكوّن من 396 صفحة، بالرغم من أنّ سبب الحادث كان معروفًا بشكلٍ مؤكّدٍ في تلك الحالة.

حطام سيارة رومان غروجان، هاس

تصوير: صور موتورسبورت

ركّز التقرير على الظروف المحيطة بالحادث والتدابير التي يُمكن اتّخاذها لتحسين الوضع في المستقبل. سرّع ذلك من دون شكّ الأعمال المتعلّقة بتعزيز الحماية الأماميّة للسائق، وهو ما أدّى إلى تبنّي تصميم الطوق الذي ربّما أنقذ حياة غروجان بعد بضعة أعوام.

من الجريء القول أنّ الظروف التي أدّت إلى نتيجة الحادث معروفة بالكامل. من النادر جدًا أن يكون حدثٌ واحد كافيًا لتوقّف نتيجة حادث، أو حتّى عطل أحد مكوّنات السيارة.

عادة ما يتمّ تبنّي نظريات أخرى، مثل نظريّة "سلسلة الأحداث"، أو "نظريّة سلسلة الأحداث المتفرّعة". لا يعدّ ذلك بالأمر الجديد، لكنّ المقاربة وطريقة التحقيق تطوّرت سريعًا بعد الانفجار الكارثي لإطلاق صاروخ "تشالنجر" في 1986.

وفي حالة حادث غروجان، ففي حين أنّ السبب معروف، فإنّ النتيجة جاءت نسبيًا من خلال سلسلة من الأحداث الخطيّة، بما في ذلك الاصطدام بسيارة أخرى والاصطدام بالحاجز المعدنيّ وانكسار هيكلي لبعض المكوّنات. لكنّ العوامل الأخرى مهمّةٌ بذات القدر كذلك. قد تمتدّ نظريّة سلسلة الأحداث المتفرّعة حتّى بنية وموقع الحواجز، وخصائص تصميم السيارة، أو حتّى دور أوّل المستجيبين في موقع الحادث أصلًا.

حطام سيارة رومان غروجان، هاس

تصوير: صور موتورسبورت

مهما كانت المقاربة التي يتمّ تبنيها، فإنّ عليها تبنّي مستوى دقّة طب شرعي. نحن محظوظون في الفورمولا واحد بالتمتّع بقدرٍ ضخمٍ ومكثّف من مقاطع الفيديو من الكثير من الزوايا سواءً على السيارة أو خارجها، لذا في حين أنّ إفادات الشهود، خاصة من السائق، تكون قيّمة، فغالبًا ما يسمح الفيديو بتخفيف التحيّز الذي قد يُظهره الشهود. فضلًا عن ذلك فإنّ هناك قدرًا هائلًا من البيانات التي تُساهم في التحقيق، بما فيها بيانات مقياس التسارع المضمّن في سماعات السائق. تكون تلك الأدلّة مفيدة عند جمعها وتحليلها بطريقة منظّمة.

حطام سيارة رومان غروجان، هاس

تصوير: صور موتورسبورت

يُعوّل التحقيق على جمع ودراسة البيانات والمكوّنات وضمان عدم تشتيت الأدلّة قبل تسجيل جميع التفاصيل. بالطبع كان من الصعب فعل ذلك في البحرين بالنظر إلى ضرورة استئناف السباق، لكنّ العديد من المصوّرين التقطوا الكثير من الصور وهو ما وفّر قاعدة كبيرة لحالة كلّ الأجزاء قبل نقلها لتنظيف المكان.

لكن حتّى مع هكذا تحقيق مكثّف، فإنّه يبقى من الصعب تحديد السلسلة الدقيقة للأحداث. يتمّ تسجيل عددٍ كبير من قنوات البيانات وبتردّدات مختلفة، ويُمكن للتصفية الإلكترونيّة التسبّب في بعض التأخير في التسجيل ما من شأنه أن يؤدّي إلى سوء تقدير.

ومن أجل التوصّل إلى خلاصة واستنتاجات قاطعة، تجب دراسة جميع أوجه الحادثة. تملك "فيا" مجموعة من أبرز الخبراء العالميين في هذا المجال، وبجمع ذلك مع الرغبة الملحّة في تحسين مستويات السلامة عوض توجيه اللوم، فقد تمّ تحقيق تقدّم كبير في هذا الجانب منذ 1994 ولا يزال ذلك الدرب متواصلًا.

لن تكون رياضة المحرّكات آمنة بالكامل مطلقًا، لكن الأمر ذاته ينطبق على حياتنا اليوميّة. يجب أن تكون تلك الواقعة في البحرين بمثابة إشادة بما تمّ تحقيقه حتّى الآن، لكنّها ستعمل بشكلٍ أهمّ على مواصلة الدرب نحو القضاء على الإصابات الخطرة في عالم رياضة المحرّكات.

حادث سيارة رومان غروجان، هاس

تصوير: صور موتورسبورت