القصة وراء الصراع على السلطة داخل أروقة مرسيدس
كنتُ مدعواً على العشاء مع روس براون وتوتو وولف في 2013 على هامش جائزة البحرين الكبرى للفورمولا واحد.
توتو وولف مع بادي لوي ونيكي لاودا
مرسيدس ايه ام جي
تجاذبنا أطراف الحديث في مطعم إيطالي بالقرب من الحلبة، وكان العشاء فرصة لتوطيد العلاقات الجيدة بين وولف، الذي تمّ تعيينه حديثاً في منصب المدير التنفيذي وروس براون، مدير الفريق.
كانت أمسيةً جميلة حيث تحدثا حول طموح مرسيدس الكبير في الفورمولا واحد، وتأثير ذلك على التغييرات التي شهدتها إدارة الفريق.
وكما يذكر الجميع كان موسم 2012 مخيباً للآمال بالنسبة للسهام الفضية حيث حلت في المركز الخامس على جدول ترتيب بطولة الصانعين، الأمر الذي أدّى لاستقطاب نيكي لاودا في دور المدير غير التنفيذي وبادي لوي الذي كان يشغل منصب المدير التقني في مكلارين آنذاك.
وسرعان ما توصّل لاودا ومدراء مرسيدس في شتوتغارت إلى استنتاج أنّ إدارة الرجل الواحد قد عفا عليها الزمن وأنّه من الأفضل وضع إدارة تتمحور على شخصيتين متكافئتين، وهما وولف المهتم بالقطاع التسويقي ولوي كمسؤول على الجانب التقني .
لكن المشكلة هنا أنّ براون كان يفضّل النوع الأوّل، ومع نهاية الموسم لم يجد منفذاً سوى باب الرحيل عن الفريق في ظلّ التحالف النمساوي-الألماني المتمثّل في لاودا ووولف من جهة ومجلس إدارة مرسيدس من جهة أخرى.
لكن دعونا من ذلك الآن ولنعد إلى العشاء، حيث كانت نقطة الاختلاف الوحيدة بين الرجلين عندما تحمّس وولف أكثر من اللازم وتحدث عن مدى التفاهم والتوافق في العمل بينه وبين براون.
"كان هناك اليوم مثالٌ على التفاهم والتوافق بيننا" قال وولف.
لكن جاءه ردّ براون كالآتي: "متى كان ذلك يا وولف؟".
بدا الأمر وكأنّ الوقت قد تجمّد والأفواه بقيت مفتوحة إلى أن تمّ استيعاب كلام براون، قبل أن تعود الأمور إلى طبيعتها.
الآن، وبعد أربع سنوات، ومع رحيل لوي خليفة براون على رأس الإدارة التقنية للفريق لأسباب غامضة، أصبحت معالم ذلك العشاء واضحةً وضوح الشمس. كان براون يعلم أنّ أيامه داخل الفريق أصبحت معدودة، وولف أيضاً كان يعلم ذلك، مرسيدس كان تعلم وكان همّهم الوحيد تجاوز تلك المرحلة بسلاسة ودون تعقيدات.
نجحت مرسيدس في مهمتها وتمّ الإعلان عن رحيل براون بسلام، ليتم تعيين لوي في منصب المدير التقني التنفيذي، ليعمل جنباً إلى جنب مع وولف ضمن الهيكلة الجديدة للإدارة.
أمّا براون، الذي شيّد أسس النجاح داخل مرسيدس والتي أثمرت عن سيطرة العملاق الألماني بالطول والعرض على آخر ثلاثة مواسم للفورمولا واحد، فقد اختفى كلياً عن ساحة الرياضة دون أن يترك أي أثر مع نهاية موسم 2013.
لكنه خرج عن صمته الخريف الماضي عبر كتابٍ تشارك في كتابته مع رئيس مجلس إدارة فريق ويليامز السابق آدم بار. ومن بين الأمور الكثيرة التي تمّ الكشف عنها وجدنا تقييم براون الحازم لمعاملة مرسيدس "الجافة" تجاهه.
حيث كتب: "ما حدث هو أنّه تمّ فرض مجموعة من الأشخاص عليّ، وهم أشخاصٌ لا أثق بهم".
وأضاف: "لم أتمكن من معرفة ماذا كانوا يحاولون أن يفعلوا. كان لاودا يخبرني بأمرٍ ما، ومن ثمّ أسمع بأنّه يقول كلاماً آخر. أمّا بالنسبة لوولف فقد كانت هناك تلك المحادثة الشهيرة على شاطئ البحر مع صديقه كولن كولز، الذي كان يسجّل ما يدور بينهما لسببٍ ما. وخلال حديثهما، تكلّم وولف في أكثر من مناسبة عنّي".
وأكمل: "كان يقول بأنّني أصبحتُ مادياً، وبأنّني جمعت كلّ ذلك المال ولم أعد أهتمّ أبداً بالفريق وفقدتُ الحافز ولستُ أقوم بعملي على أكمل وجه، وأنّ الفريق أصبح في حاجة إلى روح جديدة وكلام من ذلك القبيل. لذلك أصبحتُ أتعامل مع أشخاص يصعب التوافق معهم".
وتابع: "ثمّ علمتُ في وقتٍ باكر من موسم 2013 بأنّه تمّ التعاقد مع لوي لكي ينضم للفريق حيث تمّت العملية برمتها في شتوتغارت. وعندما صارحتُ وولف ولاودا بالأمر ألقى كلٌّ منهما باللوم على الآخر. اجتمعت بهما لمناقشة الأمر لكنّهما بدءا في تبادل التهم. لذلك كان من الواضح أنّ الثقة داخل الفريق قد انهارت".
وهذا يدعونا للتساؤل ما الذي كان لوي - المنضمّ حديثاً لفريق ويليامز على رأس إدارته التقنية بالإضافة لحصوله على مقعد في مجلس الإدارة وحصة من أسهم الفريق - يفكر فيه إذا ما صادف أن قرأ هذه الأسطر عندما نشرت في شهر أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي. حيث تعدّدت الشائعات في تلك الفترة من موسم 2016 عن رحيله هو الآخر عن مرسيدس.
وفي حين بدا أنّه من شبه المستحيل كسر ثنائية لوي/ وولف، التي نجحت مرسيدس تحت رايتها في الهيمنة على الفورمولا واحد وحصدت جميع الألقاب الممكنة منذ 2014، إلاّ أنّنا لم ننفكّ نسمع عن تنامي الاستياء داخل مقرّ مرسيدس في براكلي خلال موسم 2016.
حيث كان وولف يرى بأنّ لوي يتقاضى أجراً أكثر ممّا يستحقه، في حين كان هذا الأخير يشعر، وفقاً لمصادر مقربة منه، بأنّه لا يحظى بالتقدير الكافي بالنظر لإنجازاته. لكن أن يقع الطلاق بين الطرفين لأجل هذه الأسباب التافهة، فذلك أمرٌ مستبعد، أليس كذلك؟
هذا التحليل لم يأخذ بعين الاعتبار شغور جايمس أليسون، الذي كان المدير التقني لفيراري منذ 2013 قبل أن تتوتّر العلاقة مع مدير الفريق ماوريتسيو أريفابيني أواسط موسم 2016.
اختلاف وجهات النظر فيما يخص الجانب التقني داخل الحظيرة الإيطالية بالإضافة للإملاءات من رئيس فيراري سيرجيو ماركيوني الراغب في أن يكون فريقه أكثر إبداعاً، جميعها عوامل أدّت لرحيل أليسون من منصبه، على الرغم من سمعته كواحد من أبرز القادة التقنيين الثلاثة على ساحة الفورمولا واحد، بالإضافة إلى لوي وأدريان نيوي.
جمع أليسون حقائبه ورحل عن صفوف الحصان الجامح أواخر شهر يوليو/ تموز الماضي، واستغلت مرسيدس الفرصة للتقرب منه. وبالفعل، فحسب مصادر موثوقة تمّ إتمام صفقة انتقاله لتعزيز الطاقم التقني للسهام الفضية منذ شهر سبتمبر/ أيلول الماضي.
أمّا رحيل لوي، فقد تمّ الإعلان عنه في العاشر من يناير/ كانون الثاني من هذه السنة خلال بيان صحفي مقتضب قال فيه وولف: "لعب لوي دوراً هاماً في النجاح الذي حققناه على مدار السنوات الثلاثة السابقة ونحن نشكره على مساهمته في كتابة هذا الفصل الهام من تاريخ مرسيدس".
وأضاف: "النجاح في الفورمولا واحد ليس فردياً، بل هو ثمار منظومة تقنية صلبة ومتينة. لدينا الكفاءات القادرة على مواصلة النجاح الذي تميزنا به في السنوات الماضية ونحن نخطّط للبناء عليه لموسم 2017 وما بعده".
هل ترون مديحاً في هذا الخطاب؟ لا أعتقد ذلك.
وفي حين سيتم ملء الفراغ الذي تركه رحيل لوي بتعيين أليسون عوضاً عنه، السؤال الذي يطرح نفسه: ماهي الأسباب التي أدّت لتواجد هذا الفراغ في المقام الأوّل؟
فحتّى ملايين الدولارات التي يتقاضاها ألمع التقنيين في الفورمولا واحد تعتبر تافهة مقارنةً بميزانية مرسيدس التي تناهز نصف مليار دولار سنوياً.
حيث قال أحد المراقبين: "كان بوسع مرسيدس الحفاظ على خدمات أليسون ولوي ودفع راتبيهما بسهولة لو أرادت ذلك".
أياّ كان، مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد، حيث صبّ رحيل لوي عن مرسيدس في صالح فريق ويليامز، تماماً مثلما صبّ رحيل أليسون عن فيراري في صالح السهام الفضية.
لكنّ المثير للاهتمام أنّ أليسون سيعمل تحت قيادة وولف الذي سيصبح المسؤول عن الفريق بأكمله، لتعود بذلك مرسيدس إلى إدارة الرجل الواحد التي تخلت عنها بعد رحيل براون.
لا زال أليسون في فترة الاستراحة الإجبارية، ففي حين أنّ خسارة مدير تقني واحد قد تُعتبر سوء حظّ، فأنّ خسارة اثنين تُعدّ استهتاراً، أو أسوأ.
Be part of Motorsport community
Join the conversationShare Or Save This Story
Subscribe and access Motorsport.com with your ad-blocker.
From Formula 1 to MotoGP we report straight from the paddock because we love our sport, just like you. In order to keep delivering our expert journalism, our website uses advertising. Still, we want to give you the opportunity to enjoy an ad-free and tracker-free website and to continue using your adblocker.
Top Comments